“التكنولوجيا تسهّل حياة الطلاب ذوي الإعاقة، لكنها غير متوفرة ولا حتى بحدودها الدنيا” بهذه الكلمات يستذكر جواد علوش، 19عاماً، كيف كان يدرس لامتحانات الثانوية العامة في ظل انقطاع الكهرباء المستمر، ويضيف: “كانت تمر ثلاثة أو أربعة أيام دون أن أدرس ولو كلمة واحدة وهذا ما كان يسبب لي الخوف والإحباط”.

جواد هو واحدٌ من عشرات الطلاب المكفوفين الذين تقدموا لامتحانات البكالوريا هذا العام في سوريا، بعضهم اختار الالتحاق بالمعاهد المُختصة والبعض الآخر اعتمد كلياً على الدراسة في المنزل، ومع عدم توفر المنهاج الدراسي كاملاً بلغة البريل، اعتمد هو وزملاؤه على التسجيلات الصوتية التي وفرّتها عدة مبادرات ومجموعات على الفيسبوك، لكن الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي وعدم القدرة على شحن الهاتف المحمول كانا يحوْلان دون الاستفادة من هذا الخيار البديل أيضاً، “كنا بحاجة لورق البريل المخصص للمكفوفين، لكن تأمينه كان على حسابنا الشخصي؛ أعباء مادية كبيرة أُلقيت على أسرتي منذ بداية العام الدراسي وحتى نهايته.” يضيف جواد.

لكن هذه الصعوبات وغيرها كانت حافزاً لتفوق الشاب الطموح وحصوله على المرتبة الثالثة بين طلاب ‘معهد التربية الخاصة لتأهيل المكفوفين بدمشق’، بمجموع بلغ 85% في امتحانات الشهادة الرسمية.

بعد سنوات من الحرب في سورية، وتدمير العديد من المراكز والمدارس والمعاهد، وتراجع سويّة التعليم بشكل عام، تبدو البيئة التي يتلقى فيها الطلاب ذوو الإعاقة تعليمهم غير كافية لجهة مواءمة احتياجاتهم الخاصة وتوفير الظروف المناسبة لاستكمال تحصيلهم العلمي، ناهيك عن مستقبل مجهول ما بعد التخرج لناحية إيجاد فرص عمل تراعي أوضاعهم وتلبي طموحاتهم.

أزمة المواصلات معاناة مضاعفة

تسببت صعوبات النقل وارتفاع أجوره بمعاناة كبيرة لجواد خلال العام الدراسي المنصرم، فهو لا يستطيع التغيّب عن دروسه في المعهد، في حين أن مصاريف النقل أثقلت كاهله وتجاوزت في الشهر الواحد الـ 300 ألف ليرة سورية (75$). تأمين المبلغ تطلب بذل العائلة جهوداً كبيرة لا سيما وأنهم فقدوا رب الأسرة، المعيل لهم، بداية الحرب.

يقول جواد إن معاناته مع المواصلات ذهاباً وإياباً وهو يقطن في ريف دمشق، في حين أن المعهد بمنطقة المزة في غرب العاصمة، تنسحب على العديد من الطلاب، ولكنها أشد صعوبةً بالنسبة للطلاب الذين لديهم إعاقة من نوع ما، ويضيف أن الأمر يتحول إلى كارثة مع كل ارتفاع في أسعار المحروقات أو سوء أحوال الطقس خلال الشتاء.

“كنت آمل أن تتكفل أي جهة بتأمين المواصلات أو تخفيف أعباء التكاليف التي نضطر لدفعها يومياً، ولكن لا هذا ولا ذاك قد حصل”، ويضيف “أتطلّع اليوم للخطوة المقبلة من حياتي الدراسية أكثر من التطلع نحو الوراء، ولكن من الضروري الإضاءة على التحديات التي واجهناها على أمل أن تتم معالجتها لمن سيأتي من الطلبة الجدد”.

ملء الفراغ بغير الاختصاصيين

داخل المعهد، تلقى الطلاب المكفوفون تعليمهم بإشراف أساتذة اختصاصيين وغير اختصاصيين، يحب جواد الحديث عن أساتذته ويؤكد على حجم الجهد المبذول من جميعهم، لكنه يرى أنه من الضروري الإبقاء على الاختصاصيين ضمن معاهد التأهيل الخاصة بذوي الإعاقة، لصعوبة إيصال المعلومة في كثير من الأحيان من الأساتذة غير الاختصاصيين، يستذكر جواد كيف واجه صعوبة كبيرة في فهم غالبية المنهاج الذي كان يشرف عليه هؤلاء، دون تحصيل الفائدة المرجوة.

آية كناج، قدمت امتحانات الشهادة الثانوية للفرع الأدبي ونجحت بمجموع 75%، تحدثت لـ ‘عكازة’ أيضاً عن تجربتها في التعامل مع غير الاختصاصيين أثناء تقديم الامتحانات، حيث تعرضت للظلم بحسب قولها بسبب سوء خط وأخطاء إملائية من قبل الشخص المرافق لها في امتحان اللغة العربية؛ تؤكد آية أن درجاتها خلال اختبارات العام الدراسي في تلك المادة الدراسية جميعها تامة، ولهذا فهي تلقي اللوم على المرافق في ضياع درجاتها، وتضيف: “ما حصل قد حصل ولكنني سأكون أكثر حرصاً في التعامل مع الكاتب المرافق خلال الدورة التكميلية” حيث تنوي إعادة تقديم المادة لتعويض النتيجة.

قصة مشابهة انتشرت عبر الفيسبوك للطالبة الكفيفة رهام سليمان، التي حازت على المرتبة الأولى في الفرع الأدبي على مستوى محافظة حلب بمجموع بلغ 97%، رغم أنها انقطعت عن الدراسة من الصف الخامس حتى الثامن بسبب الحرب، لكن تفوقها هذا لم يمنعها من الاعتراض على نتيجة مادة اللغة الإنكليزية، أيضاً بسبب المرافق غير المختص الذي رافقها في الامتحان.

الوصول إلى مراكز التعليم ليس ترفاً

“قد يبدو الحديث عن مواءمة الأماكن لذوي الإعاقة ترفاً في ظل حرب دمرت العديد من المواقع والمؤسسات والأحياء وصعوبة استعادة معظمها بالوقت الراهن، ولكنها في الحقيقة حاجة قصوى مهما كانت الظروف، تخيل أن شخصاً ما عليه أن يتأقلم يومياً مع الوثب عشر درجات حتى يصل إلى الطريق، ربما سيقع فتنكسر ساقه، ربما سيتأذى رأسه، ولكن هذا تماماً ما يعانيه ذوو الإعاقة مع الأماكن غير المجهزة لتسهيل حركتهم”، يعلّق جواد على ضرورة مواءمة المعاهد والمدارس التي يتلقى فيها الطلاب ذوو الإعاقة تعليمهم وهو يستذكر بضع شجرات وأعمدة حديدية تقف وسطَ باحة المعهد، حيث كانت تتسبب بعرقلة كبيرة له ولرفاقه يومياً خلال العام الدراسي.

سارة نبهان، 19 عاماً، وهي طالبة هندسة معلوماتية في السنة الدراسية الأولى ضمن جامعة دمشق، تقول إنها اجتازت مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي بمفردها في المنزل. لم تلتحق سارة بأي مدرسة أو معهد، وتعزي ذلك إلى “عدم وجود بيئة مشجعة للالتحاق بمدرسة، فجميع المدارس لم تكن مناسبة لوضعي الجسدي وهو شلل طرفين سفليين، حتى المدرسة الوحيدة المختصة في المحافظة لم تكن مناسبة ولهذا اخترت أن أقطع هذا الطريق لوحدي”، وتضيف سارة “الوضع في الجامعة مختلف بعض الشيء، هنالك رامبات ومصعد يتعطل بعض الأحيان ولكن تبقى الجامعات أفضل حالاً من المدارس والمعاهد”.

ندرة الفرص ما بعد الجامعة..

عن المستقبل والحياة ما بعد التخرج، ترى سارة أن الظرف العام لسوق العمل بالوقت الحالي سيئ وهو أكثر سوءاً حين يكون الحديث عن المصابين أو الأشخاص من ذوي الإعاقة، إلا أنها سوف تستكمل تحصيلها الجامعي وصولاً للتخرج والبحث مباشرة عن عمل.

أما جواد فهو يستعد لخوض مرحلة جديدة من حياته الدراسية بعد صدور المفاضلة العامة، حيث يرغب بدراسة الأدب الإنجليزي، “متوتر وخائف بالطبع” يضيف جواد، “يبذل الطلاب الآخرون مشقّات الحياة الجامعية لدخول سوق العمل ووضع قدم لهم فيه، في حين أننا نبذل أضعاف تلك المشقات، وفي النهاية لا تتجاوز فرص الوصول أصابع اليد الواحدة”.

كتابة: هند الشيخ علي