طوال سنوات ظل عدنان، 25 عاماً، يحلم في نومه أنه يمشي، وعندما توقف هذا الحلم عن مطاردته أدرك أخيراً بأنه تصالح مع حالته. استغرق الأمر منه سنوات حتى تقبل حقيقة أنه لا يستطيع الرجوع بالزمن وتغيّير مجرى رصاصة القنّاص التي اخترقت ظهره في حمص وسبّبت له شللاً في القسم السفلي من جسده بينما كان ذاهباً لشراء الخبز صباحاً، وهو في الـ 14 من عمره.

من بيروت إلى برشلونة

السنوات التي تلت الحادث شهدت بدورها صعوبات جديدة مع انتقال عائلة عدنان إلى لبنان هرباً من الخطر وبحثاً عن فرص علاج أفضل له. وضمن هذا السياق ساهمت منظمة إنارة، وهي منظمة معنية بتقديم الدعم والإغاثة والعلاج للأطفال في مناطق النزاع، بتغير مجرى حياته بصورة غير متوقعة. بدأ الأمر مع سلسلة من جلسات العلاج الفيزيائي التي وفرتها المؤسسة للشاب بعد أن توقفت مؤسسات أخرى عن دعمه. التحسن الطفيف في حالته الصحية جعله يبدأ الاهتمام بالرياضة ليشارك في مارثون 10 كيلومتر في بيروت عام 2015 ويحصد فيه المرتبة الثالثة، إلى أن تم دعوة عدنان للمشاركة في مارثون بإسبانيا، ليسافر إلى هناك ويستقر فيها حتى اللحظة.


اتصال هاتفي ودعوة لمغامرة جديدة

بعد وصوله إلى إسبانيا وطوال السنوات الخمس الماضية كثّف الشاب تدريباته في رياضتي دراجة اليد والسباحة، روتينه اليومي تضمن التدريبات في النادي وقضاء الوقت مع الأصدقاء ومع بعض أفراد عائلته الذين انضموا له في برشلونة، لكن اتصالاً هاتفياً مفاجئاً حمل له مقترحاً لمغامرة جديدة.

فقد أطلقت مؤسسة إنارة حملة تبرعات لجمع مبلغ قدره 700 ألف دولار من أجل تأمين تكاليف دعم وعلاج 100 طفل من ضحايا النزاعات. ولجذب اهتمام الناس بمهمتها، قررت المؤسسة تشكيل فريق من مستفيدين سابقين من عملها لينطلقوا في رحلة تسلق جبل “كاليمنجارو” في تانزانيا، وسط غرب قارة إفريقيا.

يهدف هذا التحدي إلى توعية الأطفال الذين تأثرت حياتهم بأحداث خارجة عن إرادتهم، بأن الحياة لا تتوقف عند تلك النقطة، والمستقبل بدوره قد يكون أكثر إشراقاً. وبناء على ذلك حاولت ‘إنارة’ الوصول إلى عدنان واقترحت عليه المشاركة في الرحلة إلى جانب ثلاثة مشاركين آخرين من سوريا وأفغانستان وأوكرانيا.


هل جربت صعود أعلى قمم إفريقيا على كرسي متحرك؟

في بداية الرحلة لم يفكر عدنان سوى بجمال التحدي الذي كان على وشك خوضه، لكن ومع بدء الرحلة أدرك الشباب لماذا لن تبدو فكرة صعود أعلى قمم إفريقيا، التي يبلغ ارتفاعها (5,895 متر)، على كرسي متحرك فكرة صائبة. خاصة وأن مدة الرحلة ستكون سبعة أيام، يتخللها انخفاض درجات الحرارة وتغيّر ضغط الهواء كلما ازداد الصعود ارتفاعاً.

ورغم أن عدنان كان جالساً على كرسي متحرك طوال الرحلة ويقوم بحمله مجموعة أشخاص لكن الرحلة كانت شاقة جداً بالنسبة له، فساعات الجلوس الطويلة على الكرسي والاهتزازات المتكررة آلمت عموده الفقري، وعلى اعتبار أنه لا يتحرك كسائر المشاركين في المسير ظل يشعر بالبرد الذي ازداد شدة مع كل خطوة صعود إلى أعلى.

“أثناء الطريق إلى القمة سألت نفسي عدة مرات ما الذي جاء بي إلى هنا” يقول الشاب مستذكراً اللحظات الصعبة ويضيف بأنه عانى من اختلاف ضغط الهواء ما جعله يحتاج جهاز الأكسجين، كما أنه شعر أحياناً بالإقياء إلى جانب تفكيره بالتعب الذي يشعر به الشبان الذين يحملون كرسيه ويساعدونه في الصعود.


أحياناً كان الفريق يسير 11 ساعة وفي إحدى المرات تعطلت الكرسي التي يستخدمها عدنان واضطروا لإصلاحها. أما النصف ساعة الأخيرة فكانت الأصعب على الجميع، لكن عدنان وبعد جهدٍ مضنٍ نجح في بلوغ القمة ليحتفل من هناك بوصوله إلى أعلى قمم الجبال في إفريقيا، وهو أمر لم يكن له أن يتخيله في لحظات الإحباط التي عاشها مستلقياً على سريره بعد إصابته قبل سنوات.

يقول عدنان اليوم بأنه قليلاً ما يفكر بأقدامه، بل ينصب تركيزه على يديه وصدره وظهره، يضحك ويضيف بأنه يفكر بـ ‘كرسيه المتحرك’ أكثر من تفكيره بأقدامه. بعد سنوات من العيش مع الإعاقة يقتنع عدنان بأن كل شخص لديه أبواب مغلقة وأخرى مفتوحة، وهو دائم البحث عن أبواب جديدة يستطيع فتحها وعبورها.

كتابة: نور أبو فراج