أخبرتكم سابقاً عن تجاربي مع التكسي، هل تذكروني؟ أنا رهف الفتاة الصماء التي تخوض مغامراتها في سوريا؛ واليوم سأخبركم عن بعض المواقف التي حصلت معي أثناء التسوق.

اعتدت شراء أغراضي من محل محدد في السوق الكبير، وفي إحدى المرات لم يكن صاحب المحل متواجداً بل شابين في مقتبل العمر، وكالعادة طلبت ورقة وقلم وسط استغرابهما، كتبت ما أريده وقدمت الورقة لأحد الشابين، فغاب حيناً ثم عاد مع منتجٍ مختلفٍ عم أريده، أخبرته بإشارتي بأن ذلك ليس هو الغرض المطلوب!

بدأ الشاب بالشرح والكلام، أخبرته أنني لا أسمع ما يقوله، فاعتقد بأن عليه أن يرفع صوته أكثر، أخبرته مجدداً بأنني لا أفهم عليه، فازداد توتره وبدأ بالصراخ أكثر، وهو يخبط الأغراض على الطاولة، حاولت تهدئته مجدداً لأخبره بأنني من الصم! عندها شعر الشاب بالإحراج والخجل من تصرفه، فقد كنت ربما الزبونة الصماء الأولى التي صادفها في حياته، ولم يُحسن التعامل معها!

في حادثة ثانية كنت مع صديقاتي الصم نتسوق من إحدى المحلات، قدمت ورقة حاجياتي للشاب المتواجد هناك، وعدت إليهنّ نتحدث بلغة الإشارة، كان الشاب متفاجئاً مما يراه أمام عينيه، وكأننا كائنات فضائية تزور دكانه للبحث عن أسرار الكون الثمينة التي لن يجدوها في مكانٍ أخر!

حاول الشاب الادعاء بأنه يفهم لغة الإشارة ويرغب بالحديث معنا، وبدلاً من الالتفات لتأمين الأغراض بقي مدهوشاً فاقداً لتركيزه، حتى أنه جلب الأغراض ناقصة ومختلفة تماماً عما هو مكتوب في الورقة! ألهذا الحد وجودنا في الحياة العامة يسبب الذهول!

في إحدى المرات كنت مع صديقتي نتسوق من محل لمواد التجميل، كانت الكهرباء مقطوعة والأسواق على وشك الإغلاق، لكننا لم ننتبه لذلك واستغرق منا البحث عما نريده الكثير من الوقت، أحس صاحب المحل بالضيق وأخبرنا بأن نستعجل لأنه يريد الذهاب، فخرجنا ولم نشتري شيئاً!

عدنا بعد حين إلى ذات المحل، الذي يبدو أن صاحبه قد تذكرنا من المرة السابقة، فعاملنا وقتها بلطف وإحسان، ربما تأكد بأننا لسنا هواة تسوق، بل فتيات من الصم مقتدرات وراغبات بالشراء حقاً وليس مجرد تضيع الوقت!

القصة الأخيرة عندما كنت مع صديقاتي الصم نتسوق من احدى محلات الثياب، فلاحظت بأن زبونتين داخل المحل تنظران إلينا وتضحكان، كان من الواضح أنهما تتحدثان عنا، أخبرت صديقاتي بذلك فقلنّ لي: طنشيهم يصطفلوا.

لكنني حقاً لم أتحمل ذلك، فذهبت إليهنّ لمواجهتهنّ بهذا التصرف المزعج، بدا الخوف ظاهراً على وجوههنّ، ولاسيما أنهن مراهقات وكان طولي هائلاً أمامهنّ، فانسحبتا من المحل وغادرتا المكان مسرعتين!

قد لا تزعجني نظرات الاستغراب عند بعض الناس عندما يعرفون أنني من الصم، وقد أتفهم عدم قدرتهم على التواصل معنا، لكن الشيء الذي لا نتحمله هو السخرية والإهانة ونظرات الاستهجان، وكأننا مخلوقات غريبة الشكل واللون تعيش في مجتمع موازٍ مع البشر!

ألم يحن الوقت لنكسر هذه الحواجز الوهمية والصور النمطية فيما بيننا!

قصة: رهف يوسف | مترجمة لغة الإشارة: فرح التل