أملك صديقاً جميلاً كالنسمة العليلة في ليالي الصيف، داعمي في الحياة، قال لي ذات مرة “لا يوجد سوى نوع واحد من الفقر؛ وهو القلب الذي لا يحبك يا أنس”.

الرابع من الشهر السادس سيكون يوم فرحه، اتصل بي في الثامنة مساءً لنتحدث عن تنظيم الاحتفال، من انتقاء منسق الأغاني والإضاءة ونوع الورود، وكيف عمل جاهداً لاختيار كل شيء جذّاب وجميل ليرضي خطيبته التي يحب؛ كم أثار في داخلي مشاعر الشوق لهذا اليوم، وكم كانت تغمرني السعادة كلما تخيلته.

عزمت على الرحيل مع أمي وأبي.. انتقيت بدلةً جميلةً وسرّحت شعري بقصة جذّابة عند الحلاق؛ وذهبنا لحضور الحفل الذي لطالما حلمت به وخططت له؛ وعند النزول بدت علائم الانزعاج على وجه والدي!

ما بكَ؟ قلتُ في استغراب، وجّه نظره عالياً وإذ بدرج طويل يسبق المطعم! وأنا على كرسيٍ متحرك بجانب أمي التي ترتدي ثوباً جميلاً وكعباً عالي ووالدي في حيرة من أمرنا؛ بدتْ عليّ علائم الاستغراب والحزن كيف لم يتذكر صديقي وضعي وكيف سأصعد هذا السلم؟ هل فكّر في كل شيء إلا هذا؟ يا له من أمر عجيب!

لا أحد في الساحة إلا أصوات الليل الداكن؛ لم ينطق والديَّ بحرف، يفكرون ولا يستطيعون الكلام مخافة انزعاجي وهم في تلك اللحظة كانوا على دراية بمشاعري آنذاك.

سيارة تقف بجانبنا تنزل منها فتاة صغيرة بعمر الورد برفقة والديها تضحك وتقول: “بابا ليك هاد ع الكرسي وجاي يحضر عرس، كيف رح يرقص!” وأخذت بالضحك؛ لم ينطقوا كلمة سوى نظرة استهزاء وتعالي ثم صعدوا الدرج؛ والدي يتحدث إليّ بصوت مرتفع مخافة أن أسمع ما تقوله الفتاة.

محاولات عديدة من الاتصال بأهل صديقي ولا أحد يرد؛ أصوات الاحتفال تعلو بالمكان وصديقي لم يفتقدني، كم ترك هذا الأمر شعور سيء داخلي.

بعد مضي وقت طويل من شعور الإحباط ارتسمت الدموع في عيوني، كانت خليط انزعاج من حالتي وحالة صديقي وهذا السلم المرتسم أمامي .. رنّ هاتفي: “أنس أين أنت؟ بحثت ولم أجدك” قال صديقي.

“أنا في الأسفل أنتظر من يساعدني على تجاوز هذا الدرج للوصول إلى المطعم”. وانتهت المكالمة؛ وإذ بصديقي وأخوه تهافتوا مسرعين، حملوني وصولاً إلى المطعم، الجميع ينظر إليَّ.. والدي يضع الكرسي وأجلس.

الذين يرقصون والذين يجلسون ينظرون وأنا أقول لنفسي بالطبع يقولون: “ما الذي يأتي بي لحفلة كهذه؟ ما الذي سأفعله على هذه الكرسي؟”

كنت مضطرباً أعاني من هذا الضيق الخانق، حتى عزمت أمي لتنفض عني غبار الحزن، فأخذت بي إلى ساحة العرس وبدأت بالرقص معي، شاركنا العريس ووالدته وسط استغراب الجميع من هذا المشهد؛ كأنّ أمي كانت تقول لي: “كن نفسك كما أنت وذلك كافٍ بدون تزييف، المهم أن تتقبّل نفسك”. يا لعظمة الأمهات! دوماً هي المنقذ.

كتابة: أنس أحمد