بينما كنت أقف بسيارتي على إشارة المرور في نهاية حيٍ شعبي، لفت نظري شابٌ عشريني جميل المظهر أنيق الثياب ينتظر صديقه من على كرسيه المتحرك، وإذ بسيدة عجوز يبدو عليها العوز والقلة تقترب منه، وتخرج من كيسها المتسخ حبتا باذنجان لتقدمها إلى الشاب.

لم يدرك الشاب ما حدث وسط زحمة المكان وانشغاله بالتلويح لصديقه القادم من بعيد، إلا أن إصرارها لفت انتباهه ليرد عليها بوجه لطيف: شكراً لا أريد شيئاً!

تسأله متعجبة: “عنجد ما بدك!؟” ثم تمضي في طريقها وهي تفكر كيف له، وهو على كرسي متحرك، أن يرفض منها حبتا الباذنجان!

وخلال انشغالي بمراقبة هذا المشهد الغريب، اقتربت مني فتاة متوسطة القامة، تطلب المساعدة لتطعم أطفالها الأيتام، “الله يخليك عم ننام بلا عشا” قالت المرأة لي مترجيّة.

لحظتها بالتحديد تمنيت أن أريها كرسيي المتحرك أنا أيضاً، والذي أضعه في صندوق السيارة، علها تتوقف عن التسول عندما تراه، لكنني ودون شعورٍ مني، اكتفيت بابتسامة متعجبة دون أن أقول لها شيئاً.

يومان مرا على هذا المشهد، وابتسامة الشاب المسالمة لم تغب عن ذهني، يا ترى كيف شعر عندما اعتبرته العجوز شخصاً متسولاً على كرسي متحرك!

لماذا لم يصرخ في وجهها ليوضح لها أن جلوسه على هذا الكرسي لا يضعه في خانه المحتاجين إلى الصدقة أو الشفقة!

ثم كيف يتقبل مثل هذه المواقف كل حين، وكيف يستحضرها في لحظات ضعفه ووحدته؟

لا أشك أن تصرف المرأة نابعٌ من بساطتها وطيبة قلبها، وأيضاً من صورة نمطية سائدة في المجتمع، لكن إلى متى؟ ألم يحن الوقت لتتغير سلوكيات الناس بحيث يحترموا رغبات وحدود الأشخاص ذوي الإعاقة!