بعد شهرين قضاهما ‘عبد الرحمن الرزج’ نازحاً في إحدى مخيمات الحسكة عام 2018، قرر العودة إلى قريته الكشكية في ريف دير الزور شرق سوريا، لكن تلك العودة أفقدته إحدى ساقيه بانفجار لغم زرعه تنظيم داعــش المتطرف في منزله. حينها قرر الأطباء البتر بعد ثبوت استحالة معالجة أو ترميم الساق، ليصبح الرجل الخمسيني المعيل لأسرة كبيرة، فاقداً للقدرة على الحركة والعمل.

ولأن السفر إلى أي منطقة خارج البلدة بحثاً عن «طرف اصطناعي» كانت مسألة مستحيلة أمام قلّة دخل الرجل، قرر عبد الرحمن أن يصنع لنفسه ساقاً بديلة. وبعد ثلاثة أشهر من البتر بدأ في التجارب، ورغم فشله في أربع محاولات لكنه تمكن أخيراً من صنع طرف خفيف الوزن وسهل الاستخدام. كان ذلك ضرورياً بالنسبة له لعدم وجود مراكز معالجة فيزيائية في المنطقة النائية وغير المستقرة أمنياً كالتي يعيش فيها شرق مدينته دير الزور.

في حديثه لـ «عكازة»، يقول الدكتور أبو موفق، كما بات يكنيه من يعرفه، أنه انتقل إلى تصنيع الأطراف الصناعية لبعض سكان المنطقة التي ينحدر منها بعد أن حوّل جزءً من منزله لورشة تخصصية بتصنيع الأطراف. يضيف موضحاً: “المواد الأولية تشمل أنابيب الري البلاستيكية، مع الخشب والبراغي والقماش، مما يجعل تكلفة تصنيع الطرف الواحد لا تزيد عن 10 دولارات أمريكية. أما عملية التصنيع فهي مجانية بالكامل، ويضاف إليها جلسات تدريب اعتماداً على الخبرة التي كسبتها من تدريب نفسي، ليتمكن المستفيد من الطرف من استعادة حياته بأكبر قدرٍ من الطبيعية الممكنة”.

تهافت المتضررين للاستفادة من خدمات ‘أبو موفق’ استرعى اهتمام بعض الجمعيات والمنظمات العاملة في المنطقة، لكن لا أحد منهم قدّم الدعم الكافي لتجاربه، باعتبار أن الأطراف التي يصنعها بدائية وليست بالجودة المعيارية. إلا أن بعض ميسوري الحال في قرى منطقة الشعيطات، مثل الكشكية وغرانيج وأبو حمام، قدمواً دعماً محدوداً لتجهيز أطراف صناعية لبعض سكان المنطقة التي تشهد وجود العدد الأكبر من متضرري الألغام ومخلفات الحرب السوريّة والذين يقدر عددهم بحوالي 100 شخص.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «عكازة»، فإن مناطق شرق الفرات من ريف دير الزور لوحدها سجلت وجود 440 مصاباً ببتر في الأطراف السفلية أو العلوية نتيجة لانفجار الألغام ومخلفات الحروب، ويضاف إلى هذا الرقم إحصائية غير معلومة عن مناطق غرب الفرات ومحافظات الرقة والحسكة التي كانت مسرحاً لعمليات قتالية استمرت طويلاً.  

يحصل ‘أبو موفق’ على المواد الأولية من التجار في المنطقة، ورغم تراكم الديون عليه لا زال يقدم خدماته للمحتاجين، ليتمكن حتى الآن من إعداد 160 طرفاً صناعياً لأشخاص وفدوا إلى ورشته البسيطة من مختلف مناطق ريف دير الزور. ولأن الرجل أخذ معالجة المتضررين على عاتقه الشخصي، راح يطور الخدمات التي يقدمها، ليتمكن من تصنيع أجهزة تساعد على تحريك الأطراف شبه العاجزة والتي يسميها بـ “الجبائر”، مقابل أسعار زهيدة تغطي تكلفة المواد الأولية من الخشب والأنابيب المعدنية.

ومن الحالات الفريدة التي قدم لها المساعدة، كانت لطفلة تعاني من نقص في نمو عظم الفخذ الأيسر بطول 25 سم، وبعد تأكيد الأطباء في العاصمة دمشق على ضرورة تأجيل عملية زراعة عظم فخذ لصغر سن المصابة، ونتيجة لارتفاع كلفة العملية عاد بها ذويها لقريتهم بخيبة أمل كبيرة وحركة مستحيلة للطفلة، الأمر الذي دفع ‘عبد الرحمن’ لابتكار جهاز بدائي داعم للحركة لتتمكن الفتاة من السير لوحدها، الأمر الذي فتح الأفق أمامه لإعادة تكرار التجربة مع أطفال ومصابين آخرين.

يقول أبو موفق لـ «عكازة»: “ليس على المستفيد سوى الحضور للورشة لأخذ المقاسات قبل البدء بتصنيع الطرف سواء أكان علوياً أم سفلياً، ومن ثم الخضوع لجلسات تدريب على استخدامه بمعدل يتراوح من جلستين إلى ثلاثة، ليتمكن من العودة إلى ممارسة حياته اليومية، أو حتى قيادة دراجة نارية دون الحاجة لتعديلها أو طلب مساعدة أحد في ركوبها”.

البحث عن داعمين للتجربة بهدف تطويرها والوصول إلى خدمة متكاملة وبمواد مستدامة لتصنيع الأطراف الصناعية بات الحلم الأكبر لـ أبو موفق، الذي يخصص جزءً من وقته للتجريب والبحث في تطوير الأطراف التي يصنعها، ورغم طرحه التجربة على العديد من المؤسسات بنتائجها الملموسة إلا أنه لم يحصل على الرد الذي يتمناه. وإلى حين تأسيس مراكز نشطة في مجال تأمين الأطراف الصناعية والمعالجة الفيزيائية، يبقى ‘أبو موفق’ الخيار الوحيد لسكان منطقته.

كتابة: محمود عبد اللطيف

للإطلاع أكثر على تجربة أبو موفق تابعوا الفيديو المرفق من محطة شوفي مافي.