في مرحلة الطفولة أَيقنتُ أنّ الرياضة نورٌ يسبغُ على الجسم حُلّةً من الجمال؛ شبابي كانت تفوحُ منه روائح النشاط مُفعمة تملأ الصدور؛ وطاقاته تنبض بالحياة.. إلى أن أصبح عمري خمسة عشر ربيعاً؛ في الصف العاشر تحديداً، عندما بدأتُ أفقد السيطرة على حركة العضلات، اكتشفتُ ذلك من الألم الفظيع عند صعود السلالم؛ السقوط المتكرر عند المشي والصعوبة عند الوقوف والجلوس، ليشخّص عندي ما يعرف بمرض الحثل العضلي.

ولأنَّني إنسان مؤمن بقضاء اللّه وقدره؛ كان الرضا بالأمر والتسليم به أولى خطواتي؛ ثمَّ زرعتُ بذور القوة والإقدام والعمل في أرض حياتي الخصبة مُنظفاً الأعشاب السامة. هذا كُلّه بدعم من الوسط المحيط الممثل بأهلي الكرام وبأبي المُشجّع قولاً وفعلاً “امضِ يا بُني واجعل الوجود يُغنّي على وقع خطاك أنشودة العمل والأمل”.

في صباحٍ جميل من أحد الأيام.. أمي وأختي اعدّوا الفطور ودعونا إليه.. لكنني قررتُ التنزه في حديقة المنزل والارتباط مع الطبيعة قبل تناول وجبة الفطور.. وصلت إلى ساحة الحديقة؛ إنّها المكان الوحيد الذي أستطيع الذّهاب إليه بمفردي دون مساعدة.. المكان الذي أشعر به أنّي مستقل وقادر على الاستمتاع بأشعة الشمس ومكنونات الطبيعة دون الشعور بأيّ نقص.. حمدتُ الله على تزويدي بهذه الطاقة الإيجابية المستمدة من بهجة الألوان وأصوات الطبيعة، وعند الالتفات للعودة فقدتُ السيطرة على عضلات الأرجل وسقطتُ أرضاً؛ نظرتُ من حولي فلم أجد أحداً يساعدني على النهوض؛ حاولتُ كثيراً فلم أنجح؛ كان شعوراً مؤلماً..

بداخلي رغبة بعدم رؤية أحد لي وأنا على الأرض غير قادر على القيام، لكن بالواقع كان لابد من قدوم أحد للمساعدة؛ كم تمنيتُ لو أنّ هاتفي الجوال كان بحوزتي للاستنجاد بأخوتي، كانت الحديقة قريبة جداً إلى منزل أبو محمد الذي يسكن في الجوار؛ سمعتهم يتبادلون أطراف الحديث في الخارج.. فكرتُ هل أناديهم أم أترك الأمر لهم برؤيتي ومساعدتي.. وما هي إلا لحظات حتى بدأت أصيح بصوت مسموع: محمد.. يا صديقي محمد.

ردّت أمه متلهفة وعزمت هي وزوجها لمساعدتي.. أعانني على الوقوف وشرحتُ ما حدث شاكراً لهم طيب مساعدتهم؛ ثمّ تزوّدت بالقوة مجدداً، واستمر الحديث عن جمال شجرة الجوز الفتّان الذي يتوسط الحديقة.

قررتُ عدم إخبار أمي وأخوتي بما حدث معي لكيلا أنزع عليهم فرحة الصباح وتنقلب المشاعر من السعادة والرضا إلى الحزن على حالتي لكنّ الغبار الذي تبعثر على ثيابي فضح الأمر، مع ذلك حاولت بقدر المستطاع تهوين الأمر واللامبالاة بما حدث للبدء من جديد.

الاستسلام لليأس مرض يهدم الحياة بقسوة.. انهضوا عانقوا الدنيا واحمدوا الله على ما منحكم من نِعمٌ.

كتابة: مياس عبد الله