في المشاريع التنموية كما في النقاشات العامة يغيب الحديث عن قضايا الإعاقة عموماً، وتغيب معها الحقوق والخدمات والرعاية المقدمة لذوي الإعاقة، ويُختزل الدعم المقدم بـمشاريع ومبادرات لدمج المعوقين بالمجتمع دون مراعاة خصوصيتهم، وكأن موضوع الإعاقة والمعوقين هو أقل شأناً ومنزلةً عن باقي المواضيع الاجتماعية أو الثقافية أو المطلبية، أو أي مشروع ريادي وتنموي!

من هم أكبر “أقلية” في سوريا اليوم؟
تغيب الإحصاءات الموثقة حول أعداد الأقليات العرقية والطائفية والدينية في سوريا، لكن الإحصاء الأبرز الذي نشرته المؤسسات الدولية عام 2019 لا يدع أي مجال للشك: “هناك 3.7 مليون شخص من ذوي الإعاقة في سوريا، أي حوالي 27% من السكان ممن هم فوق الـ 12 سنة، بالإضافة لحوالي 3 مليون طفل تحت سن الـ 12 ممن أصيبوا في الحرب السورية بحسب اليونيسيف”، ألا تجعل هذه الأرقام من ذوي الإعاقة على قائمة أكبر الأقليات العددية في سوريا!

ماذا سأستفيد من قضايا الإعاقة؟
إن فهمك لحقوق وقضايا ونضالات المعوقين حول العالم هو جزء أساسي من فهمك للحقوق الإنسانية المدنية الأساسية، ولطبيعة النظم والقوانين التي تحكم الجماعات البشرية. ولأن المعوقين هم الفئة الأكثر هشاشة وظلماً في المجتمع، فإن تلبية احتياجاتهم تعني الوصول إلى مجتمع تسوده العدالة والمساواة.
تذكر أنك اليوم شخص سليم ومعافى، ولكن (لا سمح الله وأبعد عنك كل مكروه) أنت معرض غداً لأن تصبح من الأشخاص ذوي الإعاقة نتيجة حادث غير متوقع، فهل ستتخلى عن طموحاتك وأهدافك وتجلس في الزاوية لتراقب العالم من بعيد؟

هل سأتحمل أي مسؤولية؟
مع انتهاء المعارك في سوريا استفاق الجميع على هذا الكم الهائل مع الأشخاص الذي تأثروا بالنزاع وفقدوا أطرافهم أو حواسهم أو حتى استقرارهم النفسي، وأصبحنا نشاهد عشرات المعوقين حولنا من دون أن ندرك حقيقةً ما هي أوجاعهم وأمانيهم وأفكارهم. الكثير من هؤلاء تجاوزوا الإصابة الجسدية منذ زمن بعيد لكن المجتمع لا زال يمارس عليهم أذى نفسي أشد وأقسى، ابتداءً من التجاهل لأبسط احتياجاتهم وليس انتهاءً بالبيئة الفيزيائية الغير مهيئة لاستقبالهم في الحياة.
بالطبع الكل مدرك لوجود المعوقين حوله، لكن القلة منا يعرف كيف يتصرف معهم عندما يصادفهم، فهل ستحسن التصرف مع طفل لديه توحد، أو مع شخص مصاب بمرض عقلي، أو مع فتاة شغوفة تخفي إصابتها عنك، هل أنت على استعداد لتعتمد عليهم في العمل أو الدراسة؟

الأشخاص ذوي الإعاقة بكل تصنيفاتهم هم جزء من التنوع البشري الذي نعيشه، ولكننا لا نعرف سوى القليل عنهم، فهل أنت جاهز لتسمع صوتهم وتكتشف أحوالهم؟