إنها السادسةُ مساءً، وقد حانَ موعد الذهابِ إلى حفلةُ خطوبةِ إحدى قريباتنا، ارتدينا ملابسنا وركبنا السّيارةَ، ووصلنا إلى صالةِ المناسباتِ التي تقامُ فيها الحفلة، كالعادة الصالةُ في القبو أي حوالي ستّ عشرةَ درجةً نحوَ الأسفلِ، قد يبدو الأمرَ سهلاً، لكن بالنسبةٍ لثلاثِ فتيات لديهن إعاقة، فهذا ليسَ سهلاً على الإطلاق، فإحدانا على كرسيٍّ متحركٍ، واثنتان تستطيعانِ المشي بصعوبةِ.

وصلنا أخيراً إلى بابِ الصالةِ، ورغم الموسيقى والأغاني الصاخبةٍ، إلا أن دخولنا جعل كل من في المكان يلتفت إلى جهة البابِ، لاحقتني النظراتُ المستغربة حتى وصلتُ إلى الطاولة، كنت أحاولُ الإسراع لأفسحَ المجالَ لمن خلفي، لكن الجميع تركوا العروس جالسةً على المنصة وكل من يرقص حولها وأخذوا يتابعون حركتي.

وازدادت دهشتهم أكثر عندما دخلتْ أختي المحمولة مع أختي الثانية التي تمشي بصعوبةٍ، كأنّ كلّ شيء في الصالة اختفى إلاّهما، وكأن الموجودين رأوا عجباً، أو مخلوقات فضائيةٍ نزلت إلى كوكبهم، ولم يكتفِ البعض منهم بالتحديقِ فتسمعُ امرأةً تقولُ “هدول ليش بيجوا إذا هيك حالتهن”، وأخرى تقول ”شوفوا وحاطين مكياج وحمرة كمان”، والثالثةُ تحاولُ أن تكونَ أكثرَ إنسانيةً وترسمُ على وجهِها حُزناً يرافقُ الاستغراب وتقول “يا قلبي .. الله يشفيكن”، وكأن حضورُ الأفراحِ لا يليقُ بأشخاصّ لا يستطيعون المشي والرقص، وفوقها يضعون المكياج!

تمضي لحظاتُ الدخول الصعبةٍ ويعودُ الجميعُ للنظرِ إلى منصة العروسِ، مع الالتفاتِ إلينا مع كلّ حركةٍ نقومٌ بها بين الحينِ والآخر، والويلُ لنا إن حاولنا أن نتراقصَ بأماكننا أو أن نصفقَ، فشكلُ أيدينا ذواتِ الأصابعِ المغلقةِ، التي لا يمكن فتحها كسائرِ الموجودين، يثيرُ لديهن ذهولاً أو حتى شعوراً بالاشمئزاز، وخوفاً لدى الأطفال الذين طالما تسمعُ تساؤلاتهم “ماما ليش هيك إيديهن” أو من يسأل ببراءة “ما بتقدري تفتحي إيديكي متلنا؟”.

تمرّ إحدى الفتيات اللواتي قد وضعنَ مكياجاً فاقعاً ولبسنَ ثوباً لامعاً وحذاءً ذو كعبٍ عالٍ، تصافحُ أمي وكل الموجودين على الطاولة ثم تمضي بجانبيّ ولا تصافحني، يبدو أنها خشيت أن تنتقل لها عدوى الإعاقة من خلال يديّ، أو أنّها تعتبرني أقلّ مستوىً من البقية.

بعدها يأتي وقتُ الضيافةِ، إنه الوقتُ العصيب، قررت أن أتنازلَ عن تناولِ الحلويات خجلاً من نظراتهم، أختي التي لا تعاني من إعاقةٍ تطعمني بيدها قطعةَ حلوى صغيرة، بينما تقررُ أختي الثانية أن تتجاهلَ النظرات المتوجهةِ إلينا وتستمتع بتناول الكاتو، ويا للدهشة إذا انزلقت أيّة قطعةٍ لم نستطع الامساك بها.

انتهت الحفلة وخرجنا بمتابعة الجمهورٍ كما دخلنا، والنهاية كما البداية، لكنها ليست نهايةُ القصص، فالعديد من المواقفِ المماثلةِ نتعرضُ لها مع كل خروج من المنزلِ، سنشاركها معكم على أمل ألا نبقى “الغرباء” أينما ذهبنا!

كتابة: إيناس حورية